أوصاني
خليلي بخصال من الخير
أوصاني خليلي بخصال من الخير
الحمدُ للهِ ثُمَّ الحَمْدُ للهِ، الحمْدُ للهِ وَسَلامٌ على عِبَادِهِ
الذين اصطَفَى، الحَمْدُ للهِ الواحِدِ الأَحَدِ الفَرْدِ الصَّمَدِ الذي
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ،
أَحْمَدُهُ تَعَالى وَأَسْتَهْدِيهِ وَأَسْتَرْشِدُهُ وَأَتُوبُ إلَيْهِ
وَأَسْتَغْفِرُهُ وأَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيّئَاتِ
أَعْمَالِنَا من يَهْدِهِ اللهُ فَهْوَ المُهْتدْ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ
تَجِدَ لَهُ وَلِياً مُرْشِداً. والصّلاةُ والسّلامُ الأتمَانِ
الأَكْمَلانِ عَلَى سَيّدِنَا مُحَمَّدٍ سَيّدِ وَلَدِ عَدْنَان مَنْ
بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً للعَالمَينَ بِالحَقّ بَشيراً ونذيراً، أَمَّا
بَعْدُ، عِبَادَ اللهِ أُوصِي نَفْسِي وإيَّاكُم بِتَقْوى اللهِ أُوصِي
نَفْسِي وإيَّاكُم بِتَقْوى اللهِ.
رَوَى ابنُ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ عَنْ أبي ذَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قَالَ: "أَوْصَاني خَلِيلِي بِخِصَالٍ مِنَ الخَيْرِ، أَوْصَاني أنْ
أَنْظُرَ إلى مَنْ هُوَ دُوني ولا أَنْظُرَ إلى مَنْ هُوَ فَوْقِي
وَأَوْصَانِي بِحُبّ المَسَاكينِ والدُّنُوّ مِنْهُمْ وَأَوْصَانِي أَنْ
أَقُولَ الحَقَّ وإِنْ كَانَ مُرّاً وَأَوْصَانِي أَنْ أَصِلَ رَحِمِي
وَإِنْ أَدْبَرَتْ وَأَوْصَانِي بِأَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ لا حَوْلَ
وَلا قُوَّةَ الاّ باللهِ". الخُلُقُ الحَسَنُ وَبَذْلُ المَعْرُوفِ مِنْ
شَمَائِلِه عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ في
وَصْفِه عَلَيْهِ الصلاة والسلام: "لَمْ يَكُنْ فَاحِشاً وَلا
مُتَفَحّشاً ولا سَخّاباً في الأسْواقِ ولا يجزي بالسَّيِئَةِ
السَّيِئَةَ وَلَكنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ".
وَمِنْ خُلُقِ النَّبِي العَرَبِيّ الكَرِيمِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَا قَالَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يُعَلّمُنَا
وَيُؤَدِبُنَا: "مَنْ كَظَمَ غَيْظَاً وَهُوَ يَقْدِرُ على أَنْ
يُنَفّذَهُ دَعَاهُ اللهُ على رُؤوسِ الخلائِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتّى
يُخَيّرَهُ في أيِ الحُورِ شَاء".
مَعْشَرَ الإخْوَةِ المُؤمِنينَ، هَذِهِ شَمَائِلُ النَّبِيِ عَلَيْهِ
الصَّلاةُ والسَّلامُ وَوَصَايَاهُ.
النَّبيُّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ صَاحِبُ الوَجْهِ الحَسَنِ
أَوْصَانَا بالخُلُقِ الحَسَنِ، فَمَا هِيَ هذه الأخلاقُ المحمديَّةُ
التي لَوْ تَحَلَّيْنَا بهاِ أَفْرَاداً وَأُسَراً وأَسَاتِذَةً
وَمُرِيدِينَ لَبَلَغْنَا الدَّرَجَاتِ العُلا، ألا فاسْمَعُوا مَعِي مَا
قَالَهُ عَبْدُ اللهِ ابنُ المُبَارَكِ في وَصْفِ الخُلُقِ الحَسَنِ:
هُوَ بَسْطُ الوَجْهِ وَبَذْلُ المَعْرُوفِ وَكَفُّ الأذَى.
والعِبَرُ في القُرْءانِ الكَريمِ والحَدِيثِ النَّبَويِ الشَّرِيفِ وفي
كَلامِ الصَّحَابَةِ الكِرامِ وَمَن تَبِعَهُم بإحْسَانٍ كَثِيرةٌ
وَسِيرَةُ حَبِيبِ رَبِ العَالَمِينَ مُحَمَّدٍ ملأى بالمَوَاعِظِ
وَالعِبَرِ، حَافِلَةٌ بالشَمَائِلِ الحَسَنَة والخِصَالِ الحَمِيدَةِ،
وَهِيَ جَلِيَّةٌ وَاضِحَةٌ تُنِيرُ الطَّريقَ لِكُلِ مَنْ أَرَادَ أَنْ
يَغْتَرِفَ مِنْ بَحْرِ الآدابِ المحَمَّدِيَّةِ .
صَلَّى اللهُ على سَيِدِنَا مُحَمَّدٍ، إذاً، فَلِمَ التَنَازُعُ،
وَعَلامَ الشّقَاقُ، إذاً فَلِمَ عُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَلِمَ سُوءُ
الخُلُقِ، والعَمَلُ بما يُوجِبُ الحِرْمَانَ وَيُغْضِبُ الرَّبَّ،
والعِبَرُ كَثِيرَةٌ والمَوَاعِظُ وَفِيرَةٌ والآياتُ البَيِنَاتُ
ثَابِتَةٌ وَاضِحَةٌ والأحاديثُ الشَّرِيفَةُ الصَّحِيحَةُ والصَرِيحَةُ
ثَابِتَةٌ جلِيَّةٌ واضِحَةٌ.
الشَّأْنُ فِيمَنْ يَعْمَلُ فِيمَا تَعَلَّمَ، الشَّأْنُ في أَنْ تُطَبّقَ
على نَفْسِكَ مَا تَسْمَعُ من عُلُومِ الدّينِ وآدابِ الشَّريعَةِ
وَسُلُوكِ الصَالحِينَ وسِيرَةِ حَبِيبِ رَبِ العَالَمِين صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي أَوْصَى أبا ذَرّ أنْ يَنْظُرَ إلى مَنْ هُوَ
دُونَهُ في الدُّنْيا ليَشْكُرَ نِعْمَةَ رَبِهِ عَلَيْهِ وَحَتى لا
يَزْدَرِيَ المَرْءُ نِعَمَ اللهِ التي أَسْبَغَهَا عَلَيْهِ فَفِي
أُمُورِ الدُّنْيا انْظُرْ إلى مَنْ هُوَ أَقَلُّ مِنْكَ مالاً وَأَضْعَفُ
مِنْكَ جِسْماً وَأَقَلُّ ذُريَّةً أَوْ لا ذُريَّةَ لَهُ وَأَكْثَرُ
بَلاءً وَأَشَدُّ أَمْراضاً لِتَنْظُرْ في نَفْسِكَ فَتَقُولَ الحمْدُ
للهِ على كُلِ حَالْ.
قَالَ ولا أَنْظُرُ إلى مَنْ هُوَ فَوْقِي.
فَإنَّ مَنْ يَنْظُرُ إلى مَنْ هُوَ فَوقَهُ مِمَّنْ أَنْعَمَ اللهُ
عَلَيْهِمْ فَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ولا ذُريَّةٌ ولا صِحَّةٌ ولا
حَاشِيَةٌ فإنَّ كَثِيرينَ يَسْعَوْنَ السَّعْيَ الحَرَامَ لِيَكْثُرَ
مَوْرِدُهُمْ فَيَطْرُقُونَ أَبْوابَ الحرَامِ وَلا يَكْتَفُونَ
بِالحَلالِ، وَهَكَذا شَأْنُ بَعْضِ الأوْلادِ وَبَعْضِ الزَّوْجاتِ
الذينَ لا يَكُونُونَ إلاّ فِتْنَةً في إلحَاحِهِمْ وَمُتَطَلّبَاتِهِمْ
فتَراهُمْ لا يَكُفُّونَ عَنِ الإلحاحِ وَطَلَبِ المَزيدِ إلى أن يَغْرَقَ
الزَّوْجُ في مالٍ حَرَامٍ .
فَيَا أَخِي المُؤمِنُ، في مِثْلِ هذِهِ الحالَةِ، هَلْ زَوْجَتُكَ
تَدْفَعُ عَنْكَ عَذَابَ القَبْرِ في مَا لَوْ تَوَرَّطْتَ في المالِ
الحَرَامِ وَظُلْمِ النَّاسِ لِتَسُدَّ طَلَبَاتِهَا فِيمَا حَرّمَ اللهُ
تَعَالى أَمْ هَلْ أَوْلادُكَ يَنْفَعُونَكَ يَومَ لا يَنْفَعُ مَالٌ ولا
بَنُونَ.
قَالَ أبو ذَرٍ: "أوصاني النَّبيُّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ
بِحُبِ المَسَاكِينِ والدُّنُوِ مِنْهُم".
عَاشِرْ أهْلَ الفَضْلِ، لِيَكُنْ أصْدِقَاؤُكَ وَأَصْدِقاءُ أَوْلادِكَ
مِنْ أَهْلِ العِلْمِ والفَضْلِ، لِيَكُنْ طَلَبَةَ عِلْمِ الدّينِ مِنْ
أَهْلِ الأَدَبِ والسُّلُوكِ الحَسَنِ في الشَّرِيعَةِ أصْدِقَاؤُكَ،
لِيَكُنْ هَؤلاءِ أصْدِقاءً لَكَ ولأوْلادِكَ وَلا تُعَاشِرْ أَهْلَ
السُّوءِ وَلا تَأْذَنْ لأولادِكَ بِمُعَاشَرَةِ أَهْلِ السُّوءِ وكذلِكَ
الأمْرُ بالنّسْبَةِ لِزَوجِكَ فَإنَّ صَاحِبَ السُّوءِ سَاحِبْ
وَكَثِيرُونَ مِنَ الآباءِ في غَفْلَةٍ عَنْ هذا، يَتْرُكُونَ
أَوْلادَهُمْ فَيُفَاجَأُونَ فِيما بَعْدُ بالنَّتَائِجِ والعِياذُ
باللهِ.
قالَ أبُو ذَرٍ: "وَأَوْصَاني أنْ أَقُولَ الحقَّ وَلَوْ كَانَ مُرّا"
إتَّهِمْ رَأْيَكَ، إتَّهِمْ نَفْسَكَ، لا تَكُنْ مُسْتَبِدّاً بِرَأيِكَ
ولا يَكُنْ هَمَّكَ أَنْ يَغْلِبَ رَأْيُكَ رَأْيَ إخْوانِكَ،
تَعَاوَنُوا على الِبرِ والتَّقْوَى ولا يَكُنْ هَمُّكَ يوماً أَنْ
تَتَفَرَّدَ بِرَأيِكَ فَالنّبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
يُوحَى إليْهِ وكَانَ يَسْتَشِيرُ.
قَالَ: "وَأَوْصَانِي أَنْ أَصِلَ رَحِمِي وَإِنْ أَدْبَرَتْ".
أَلَيْسَ اللهُ تَعَالى يَقُولُ في القُرْءانِ الكَريمِ: {فَهَلْ
عَسيتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا في الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا
أَرْحَامَكُمْ} وإنَّ تَفَكُّكَ المجتَمَعِ اليَوْمَ وما نُعَانِيهِ مِنْ
فِتَنٍ وأوبِئَةٍ سَبَبُهُ عَدَمُ التَّرَابُطِ الدّينيِ هذا التَّرَابُطُ
الدّينيُ الأَخَوِيُّ حَضَّ اللهُ عَلَيْهِ في القُرءانِ وَأَمَرَنَا بِهِ
النَّبيُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وترى البَعْضَ لا يَعْرِفُونَ
خَالاتِهِمْ ولا عَمَّاتِهِم ولا أَخْوالِهِم ولا يَزُورُ جَدَّهُ ولا
جَدَّتَهُ إلاّ بَعدَ عَشْرِ سنين حِينَمَا تَأتِيهِ وَرَقَةُ نَعْيِهِ
فَيَنتَظِرُهُ خَارِجَ المَسْجِدِ لِيَسْألَ فِيمَا بَعْدُ ماذا تَرَكَ
لَنَا مِنْ وَصِيَّةٍ أَوْ تَرِكَةٍ.
قالَ أَبُو ذَرٍ: "وَأَوْصَاني بِأَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ لا حَوْلَ
وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ" تُفَرّجُ الهَمَّ بِإذْنِ اللهِ فَأَكْثِرْ
مِنْ قَولِ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
لا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ إلا بِعِصْمَةِ اللهِ وَلا قُوَّةَ عَلَى
طَاعَةِ اللهِ إلا بِعَوْنِ اللهِ.
أَقُولُ قَوْلي هذا وَأَسْتَغفِرُ اللهَ العظيمَ لي وَلَكُمْ.
الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ الرّحمنِ الرّحيمِ مالِكِ يومِ الدّينِ
والصّلاةُ والسّلامُ على محمّدٍ الأمينِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ
الطّيبينَ الطّاهِرِينَ وأشهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا
شريكَ لَهُ وأشهَدُ أنّ سيّدَنَا مُحَمّداً عبدُهُ ورَسُولُهُ صلى اللهُ
وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى كُلّ رسولٍ أرسَلَهُ . أمّا بعْدُ عِبادَ
اللهِ اتّقُوا اللهَ واعْلَمُوا بأنّ اللهَ أَمَرَكُم بأَمْرٍ عَظيمٍ،
أَمَرَكُم بالصّلاةِ على نبيٍّهِ الكريمِ فَقَالَ: {إنّ اللهَ
وملائِكَتَهُ يُصلّونَ على النّبيِ يا أيُّها الذينَ ءامَنُوا صلّوا
عَلَيْهِ وَسلّمُوا تَسْليماً} اللّهُمّ صلّ على محمدٍ وعلى ءالِ محمدٍ
كما صلّيْتَ على إبراهيمَ وعلى ءالِ إبراهيمَ إنّكَ حميدُ مجيدُ
اللّهُمَّ بارِكْ على محمدٍ وعلى ءالِ محمدٍ كَمَا بَاركْتَ على إبراهيمَ
وعلى ءالِ إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ.
اللّهُمّ يا ربّنا إنّا دَعَوْناكَ فاستجِبْ لَنَا دُعاءَنَا فاغفِرِ
اللّهُمّ لنا ذُنُوبَنَا وإسْرَافَنَا في أمْرِنَا وَكَفّرْ عنّا
سيّئاتِنَا وَتَوَفَّنَا بِرَحمتِكَ مُؤمنينَ يا ربَّ العالمينَ.
اللّهُم اغفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا اللّهُم اغفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا،
اللّهُم نَقّنَا من الذُّنوبِ والخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ
الأبيَضُ مِنَ الدّنَسِ يا ربَّ العالمينَ اللّهُمّ عَلّمْنَا ما
جَهِلْنَا وذَكّرْنَا ما نَسِينَا واجعَلِ القُرءانَ ربيعَ قُلُوبِنَا
ونُوراً لأبْصارِنَا وَجَوَارِحِنَا وَتَوَفَّنَا على هَدْيِهِ
وأكْرِمْنَا بِحِفْظِهِ واحْفَظْنَا بِبَرَكَتِهِ وَبَرَكَةِ نَبيّكَ
مُحمدٍ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ واغفِرِ اللّهُمَ للمُؤمنينَ والمؤمناتِ
الأحْياءِ مِنهُم والأمواتِ إنّكَ سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدّعواتِ عِبادَ
اللهِ إنّ اللهَ يأمُرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القُربى ويَنْهى
عنِ الفَحْشاءِ والمُنكَرِ والبغْيِ يَعِظُكُمْ لعلّكُم تَذَكّرُونَ
أُذكُرُوا اللهَ العظيمَ يَذْكُرْكُمْ واشكُرُوهُ يَزِدْكُمْ
واسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ واتّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ
أمْرِكُمْ مَخْرَجاً وَأَقِمِ الصّلاةَ.
مَعْشَرَ الأخْوَةِ المؤمِنِينَ، مَعْ حُلُولِ مَوْسِمِ الحَجِ تَطُوفُ في
الوِجْدَانِ المشَاعِرُ والمَعَانِي التي تُطْلِقُهَا هَذِهِ الفَرِيضَةُ
التي جَعَلَهَا اللهُ فَرِيضَةً مِنْ أَعْظَمِ فَرَائِضِ الدّينِ،
وَأَمْراً مِنْ أَهَمِ أُمُورِ الإسْلامِ.
لَقَدْ ثَارَتْ في نُفُوسِ المُسْلِمينَ نَوَازِعُ الشَّوْقِ لأداءِ
هَذهِ الفَريضَةِ العَظِيمَةِ، فَيَسّرَ اللهُ لِبَعْضِهِمْ أَمْرَهَا،
وَهَا هُمْ بَدأوا يُعِدُّونَ العُدّةَ للرَّحِيلِ إلى بِلادِ الحِجازِ.
مَا أَجْمَلَهُ مِنْ مَنْظَرٍ حَيثُ اجتِمَاعُ مَلايينِ المُسْلِمِينَ
المُوَحِدينَ المُؤمنينَ الذينَ جَاءُوا مِنْ كُلِ حَدْبٍ وَصَوْبٍ، مِنْ
جَميعِ بِقَاعِ الأرضِ، جَاءُوا لِيَطُوفُوا بالبيتِ العَتِيقِ
قَائِلِين: لَبيْكَ اللّهُمّ لَبَّيكَ، بِثِيابِهِم البَيْضاءْ على
اختلافِ أَلْوانِهِم وأَلْسِنَتِهِم تَجْمَعُهُم عَقِيدَةُ الإسلامِ
عَقِيدَةُ التَّنْزِيهِ، عَقِيدَةُ التَّوْحِيدِ، كُلُّهُم إخوَةٌ في
اللهِ لأنَّ اللهَ يَقُولُ: {إنمَّا المُؤمِنُون إخْوَةٌ} ويَقُولُ عَزّ
وَجَلَّ {إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتقاكُمْ} نَتَأَمَّلُ مَنْظَرَ
الحَجِيجِ وَنَتَطَلَّعُ إلى وَاقِعِ أُمَّتِنَا، إلى وَاقِعِنَا
الإسْلامي، وحَاجَتِنَا إلى الاعتصامِ بِحَبْلِ اللهِ المَتِينِ واللهُ
يَقُولُ: {واعتَصِمُوا بحبْلِ اللهِ جميعاً ولا تَفَرَّقُوا} أمَّا
أعداءُ الأمَّةِ فَإنَّهُم يُريدُونَ لَنَا التَّشَتُّتَ والفُرقَةَ
والتَّبَاغُضَ والتَّنَاحُرَ، وأنْ تَقَعَ الفِتْنَةُ فيما بينَنَا، وهذا
ما لا ينبغي أنْ يَحْصُلَ وعلينا أنْ نَتَنَبَّهَ لَهُ.
والحجُّ مَعْشَرَ الإخوةِ، جَمَعَ أنْواعَ الرِياضَاتِ، مِنْ رِياضَةِ
البَدَنِ والرُّوحِ، وفيهِ مِنْ معانِي الوحْدَةِ والعِزَّةِ ما
يَحْمِلُنَا على التَّفَكُّرِ بِذلِكَ المَوْقِفِ، فالمُسْلِمُونَ
يَجْتَمِعُونَ في خَيْرِ بِقَاعِ الأرْضِ وَكُلُّهُمْ شَوْقٌ إلى حَبيبِ
اللهِ، يُؤدُّونَ الشَّعَائِرَ والنُّسُكَ، تَجْمَعُ بَيْنَهُمْ كَلِمَةُ
لا إلهَ إلا اللهُ، وما أُحَيْلاهُ مِنْ مَوْقِفٍ تَتَجَلَّى فيهِ آياتُ
الوحْدَةِ وَتَمَاسُكِ المُجْتَمَعِ وتَعَاضُدِ الأمَّةِ، كَيْفَ لا
واللهُ تَعَالى يَقُولُ: {واعتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جميعاً ولا
تَفَرَّقُوا} وَلا يَسَعُنَا في سبيلِ الاعتِصَامِ بِحَبْلِ اللهِ
وَنَبْذِ الفُرْقَةِ والتَّبَاغُضِ إلا أنْ نَدْعُو اللهَ لَنَا بِمَزيدٍ
مِنَ التَّمَاسُكِ بِمَا يَحْفَظُ أُمَّتَنَا مِنْ خَطَرِ كُلِ تَشَرْذُمٍ
وَتَفَتُّتٍ وَتَفَكُّكٍ، وَفي هذا الزَّمَنِ الصَّعْبِ ما أَحْوجَنَا
إلى كُلِ مَا يَدْفَعُ بِأُمَّتِنَا إلى الأمَامِ.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالى أنْ يُلْهِمَنا وأولياء أمورنا ما فِيهِ خَيرُ
وَفَلاحُ أُمَّتِنَا.
|